3666 144 055
[email protected]
تفاجأ العالم بحادثة قناة السويس في 23 مارس 2021، حيث تعلق غاطس السفينة العملاقة “ايفر جيفن” في الرمال (حاملة حاويات بطول 400 متر وعرض 59 متر وحمولة 18300 حاوية بوزن 223 الف طن حسب تقرير هيئة قناة السويس) والتي كانت في طريقها من ميناء “يانتيانا” الصيني إلى ميناء “روتوردام” الهولندي في أوروبا، بعد أن جنحت أثناء مرورها لتأخذ وضع العرضية في القناة.
تسبب الحادث في تعطل تام لحركة الملاحة البحرية في هذا الممر الاستراتيجي، وانعكس ما حصل سلبا على الاقتصاد العالمي، حيث وقفت حركة تجارة عالمية تتجاوز قيمتها 9 مليار دولار يوميا، وبتكاليف قدرت بحوالي 400 مليون دولار في الساعة – وفقا لوكالة بلومبيرج – وتكدس السفن للمرور عبر القناة من الاتجاهين، من ضمنها أكثر من 45 ناقلة تحمل نفط خام وغاز مسال نفطي وطبيعي ومنتجات بترولية.
أثناء التعامل مع الحادث، ارتفعت بعض الأصوات المطالبة بممرات بديلة لسلاسل الإمداد اللوجستي عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لرفع مستوى سلاسة وتأمين الملاحة الدولية التي تربط الشرق بالغرب.
فكرة إيجاد خطوط سلاسل إمداد بديلة ليست جديدة، وتحدث عادة بعد كل حادث اغلاق يحصل في القناة، آخرها دعوة سفير إيران في روسيا لايجاد ممر بديل كما جاء في تقرير “سي إن إن” الإخبارية في 29 مارس.
قديما، نوقشت فكرة ممر بديل في الغرب بُعَيد تأميم قناة السويس في 1956، ثم بعد حرب الأيام الست في 1967 عندما أغلقت القناة لثمان سنوات، واستمر النقاش النظري حول فكرة إنشاء ممر مائي دولي يربط ما بين الشرق والغرب من خلال ربط خليج العقبة على رأس البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
وشرقا، تعمل الصين – إضافة إلى الشحن عبر روسيا لأوروبا بالسكة الحديد – على التخطيط لتأسيس مسار اخر (خط بري وسكة حديد) يربطها بأوروبا مرورا بالمنطقة عبر إيران والعراق وتركيا، وزيارة وزير الخارجية الصيني لإيران يوم الجمعة 26 مارس لتوقيع اتفاقية تعاون اقتصادي وأمني تمتد إلى 25 سنة قادمة – بالرغم من تخوف الشارع الإيراني من رهن البلاد للصين بسبب هذه الاتفاقية التي لا يعرف شيء عن تفاصيلها – تقوم (من الناحية النظرية) على استثمار 400 مليار دولار في البنية التحتية خاصة في الموانىء والسكك الحديدية مقابل امدادات نفطية مستقرة وفقا لصحيفة “الفاينانشال تايمز”.
لا شك في أن التعطل المؤقت للملاحة في القناة قد أقلق الاقتصاد العالمي المنهك اليوم، خاصة أن الدول الصناعية الكبرى التي تعتمد على الممرات البحرية في حركة تجارتها الدولية غير مستعدة لأي مفاجئات تؤثر على أسواقها، ولكن من حفروا القناة بسواعدهم ودافعوا عنها بدمائهم وشغلوها بعقولهم نجحوا كعادتهم في معالجة الحادث بحرفية عالية وفي وقت قياسي وبدروس مستفادة مهمة للتطور المستقبلي.
تظل قناة السويس الاستراتيجية جديرة بثقة العالم كممر هو الأقل كلفة لحركة 30% من حاويات سلاسل الإمدادات الاستهلاكية والصناعية في العالم بحوالي النصف إذا ما قورنت بطريق رأس الرجاء الصالح، وأعلى امانا واستقرارا مقارنة مع حلول أخرى تقف تحديات عدة أمامها خاصة الجيوسياسية، وستستمر الأصوات تعلو بين الحين والآخر مطالبة ببدائل لهذا الممر، الذي هو ركن أساس في حركة التجارة العالمية منذ ١٥٢ سنة، كلما حصل فيه حادث.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734