3666 144 055
[email protected]
تابعت باهتمامٍ بالغ إعلان شركة أرامكو السعودية عن مراجعتها السنوية لأسعار منتجاتها واستوقفتني كثيراً الزيادة المعلنة لسعر منتج الديزل بنسبة 53%. قد لا تكون الزيادة كبيرة إذا ما قارنا أسعار الديزل عالمياً بالسعر المحلي حيث انتهى العام 2023 (بخيره وشرّه) على متوسط أسعار ديزل تحوم حول 1.27 دولار/لتر بمعنى أن المتوسط العالمي يتجاوز السعر المحلي الذي وصل إلى 0.31 دولار/لتر بنسبة تتعدى 300% وهذا ما يتعلق بالجانب المضيء للقصة، لكن هنالك جانبٌ آخر مثير يتعلق بسلاسل الإمداد والنقل للبضائع المحلية والمستوردة على حدٍ سواء.
حسناً، الصناعة المحلية (عدا الوقود ومشتقاته) لا تزال في طور النمو وتحظى بدعم وتحفيز الحكومة ولا يمكن تقييم مدى تأثير رفع أسعار الديزل عليها لذا فضلت أن أكون المراقب المنتظر. أما فيما يتعلق بالواردات، فالواقع يقول أن قرابة 70% من البضائع الواردة للمملكة تصل من خلال الموانئ السعودية وعلى رأسها ميناء جدة الإسلامي ولن أتحدث عن الاضطرابات الجيوسياسية في مضيق باب المندب والتي تؤثر وبلا شك على حركة الملاحة الدولية التي بدأت للتو أصلاً تتعافى من آثار الجائحة والأخطر تسببها برفع التكاليف على الشحن وبالمحصلة تضخم أسعار الواردات، بل سأتحدث عمّا سيحدث للبضائع بعد وصولها إلى موانئ المملكة.
باختصار، سأشرح رحلة الحاوية في المملكة كما أشرحها لابنة أخي ذات الأحد عشر عاماً، فالحاوية تصل عبر خطوط الشحن البحرية الدولية إلى الميناء الوجهة وتتم مناولتها وإنهاء إجراءاتها الجمركية وخلافه ثم تدخل في إجراءات التسليم، ثم ماذا؟.
ثم يتم تحميل الحاوية على ظهر شاحنة تعمل بالديزل تأخذها عبر ثالث أفضل شبكة طرق عالمية (حسب تصنيف منصة إنسايدر مانكي المنشور في نوفمبر 2023) إلى وجهتها النهائية أو (وأقول أو) عبر القطار لقليل من الحاويات القادمة إلى ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
هل قرأت بتدبّر “تعمل بالديزل”؟
بالحديث عن الدمام، وتقول العرب أن الشيء بالشيء يذكر، كنت قد حظيت برحلة جميلة من الرياض إلى الدمام براً قبل أيام وبدى لي مثيراً السباق مع قافلة متصلة من الشاحنات على طول الطريق ذهاباً وإياباً، استمتعت برؤية القافلة التي تسير وتقدمت رسمياً بمقترحي إلى الهيئة العامة للطرق باعتماد مسمى طريق الرياض – الدمام الثقيل عوضاً عن السريع.
هل قرأت بتدبّر “تعمل بالديزل”؟
في الحقيقة، ارتفاع أسعار الديزل بنسبة 53% لن يرفع تكلفة النقل بنسبة 53% فهب أن وكيلاً استلم بضاعته بتكلفة أعلى وسيضطر إلى نقلها إلى الموزعين بسعر أعلى والموزعون إلى عملائهم وهكذا حتى تصل إلى المستهلك النهائي وتكون التكلفة للشحن قد تجاوزت هذه النسبة بكثير والمشكلة لدينا في ثقافة الاستهلاك أننا لا نبالي كثيراً بارتفاع المنتجات قليلة التكلفة في الأساس فما كنا نشتريه بريال قبل عام قد نشتريه بريالين هذا العام دون تردد على الرغم من أن الزيادة وصلت إلى 100% وهذه هي لعبة وربما لعنة الأرقام الصغيرة.
شخصياً، أتفهم تماماً أن الدعم على السلع يكلف المملكة سنوياً زهاء ربع ناتجها المحلي الإجمالي حسب تقديرات الخبراء وتخفيف الأعباء عن كاهل الدولة مهم لاستدامتها المالية والمضى قدماً في مشاريعها وخططها الطموحة وأن الدول لا تتقدم دون تقديم التضحيات وشد الأحزمة فكما يقال “روما لم تبن في ليلة” والتضخم قادم بلا شك إذا ما أدركنا أن الديزل يدخل في عدة أقسام في الآلية المتبعة لحساب التضخم بالمملكة أهميتها النسبية تشكل مجتمعةً إذا ما تحفظّت في الرقم حوالي 55% والأثر في تصوري سيظهر على معدل التضخم في فبراير 2024 وستصبح فاتورة “مقاضي رمضان” حديث الشارع لكن كل ذلك يسير في سبيل أن تكون المملكة بتطورها وإنجازاتها حديث العالم.
ختاماً، في ثقافتنا المحلية نصف الشخص أو الشيء البطيء في الإنجاز أنه “على ديزل” ولا أعرف شخصياً ارتباطاً للديزل بشيءٍ جميل في الذاكرة السعودية بل ارتبط بالتوفير وربما البخل وعوادم الشاحنات ونحو ذلك، وها هو ذا يعود للذاكرة السعودية بما يتعوذ منه خطباء الجمعة أسبوعياً “الغلاء”. الديزل ملوّث البيئة الذي سيلوّث حسابات الأسر السعودية في قادم الأيام، يستحق بجدارة أن نطلق عليه “وقود التضخم”.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734